الزيارتان الأخيرتان لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لجمهورية مصر، والمملكة المتحدة، كانت لهما أهمية سياسية واقتصادية وأمنية، في العديد من الملفات، التي دائما ما يتم بحثها عبر القنوات السياسية المباشرة بين الحكومات وأذرعها التقليدية، من وزارات الخارجية والاقتصاد والدفاع وسواها.
في الزيارتين كان لافتاً البرنامج الثقافي والفني المصاحب لهما. وتحديدا الأنشطة التي رعتها «مسك الخيرية»، عبر عدد من المبادرات الثقافية، والزيارات، والندوات والحوارات، فضلا عن الشراكات والتفاهمات مع متاحف ومعاهد ومؤسسات بحثية، وشركات علمية وتقنية مختلفة.
هذه المبادرات التي تقودها «مسك الخيرية» لم تكن جديدة، فقد سبقتها عدة مشاركات، منها المبادرة التي كانت ضمن الفعاليات المصاحبة لـ»المنتدى الاقتصادي العالمي» بقرية دافوس السويسرية، لتعريف الحضور بالثقافة والتقاليدلأهل الجزيرة العربية.
وزارة الثقافة والإعلام السعودية هي الأخرى لها دور في عقد الأمسيات الموسيقية ومعارض الفن التشكيلي، والندوات الثقافية، وجميعها فعاليات تبرز الوجه السعودي المعرفي، الذي خطفه التشدد، وسعت «الأصولية» لتغييبه لسنوات خلت.
قد تكون مبادرات «مسك الخيرية» أكثر جرأة وتعددا وأوسع نطاقا من مباردات الجهات الحكومية الأخرى، وهو أمر يعود لتحررها من البيروقراطية، ولوجود رؤية وأهداف قد تكون أكثر وضوحا لديها من سواها، وتمتلك من السرعة والكادر الشبابي ما يؤهلها لأن يكون إيقاعها أكثر رشاقة.
جميع هذه المبادرات تمتلك أهميتها في تعزيز قيم «السعودية الجديدة»، والتي هي قيم مدنية، إنسانية، تعمل على تطوير الفرد السعودي، ورفع كفاءته،وجعله قادرا على المساهمة بشكل فاعل في التغيير الذي تشهده المملكة. وهي بذلك، تعتبر أداة مهمة وفاعلة في التواصل مع الخارج، وليس بناء الداخل وحسب.
إن العمل الفني والثقافي التواصلي، يعزز من القوة الخارجية لأي دولة، ويشرع أمامها مجالات تعاون حديثة، لا تفتحها السياسة والاقتصاد والمخابرات.لأنها تعزز من القيم المشتركة بين البشر، وتجعل هنالك حالة إيمان وشراكة تتصف بالقوة والديمومة، وتكون عابرة للحدود والطوائف والأعراق.
الديبلوماسية الحديثة، يجب أن تكون لديها رؤية متينة للثقافة والفنون ومؤسسات المجتمع المدني، ودورها في حل النزاعات، وتخفيف التوترات، وبناء التحالفات، وتعزيز العلاقات بين الدولة. هي بالتأكيد ليست حملة تسويقية باردة، أو حفلة علاقات عامة وتتبادل الابتسامات وتنتهي!. وإنما شراكات بعيدة المدى، وتجارب مشتركة، وتبادل خبرات، ومساحة يشترك فيها الفتيات والشبان من الجيل الجديد لبناء العالم كما يتصورونه، بخبرات السابقين، وحكمة الأجداد، ولكن بتطلعات الشباب وأحلامهم، وشجاعتهم على الطيران دون الخوف من السقوط، وتلك هي روح المبادرة، وأهم العناصر الرئيسة في الديبلوماسيات.