يؤكِّد علماء النفس على أن أفضل طريقة للتربية، ورسم صورة حسنة، هي أن تكون أنت القدوة الحسنة، إذ لا يمكن أن تكون مديراً، تأتي للعمل متأخراً، ومن ثم تطالب موظفيك بالالتزام بالوقت المحدد، وينطبق هذا على كل شؤون الحياة، ومن واقع الحياة نرى العجب، ومن أمثلة ذلك ما يتم تداوله من قصص واقعية، لبعض أقطاب حركات الإسلام السياسي، التي تتعلق بنقد أمر ما، ثم ممارسة ذات الأمر! أي أنهم يبيحون لأنفسهم ما يحذّرون أتباعهم منه، وأذكر بهذا الخصوص قصة الاكتتاب في أحد البنوك قبل سنوات قليلة، فقد كانوا من أشرس الداعين لمقاطعته، ثم كانوا من أوائل المكتتبين فيه، والضحية هنا هم الأتباع، الذين تحسروا، بعدما اتضحت الحقائق، وعرفها الناس.
لا أحد يفهم كيف يستطيع محرِّض أن يقنع الناس بتحريضه، وهو لا يمارس ما يحث الناس عليه، والغريب أن معظم هؤلاء المحرضين هم أكثر الناس تناقضاً، والأشد غرابة، هو أن أتباع هؤلاء المحرضين يرون نوعية الحياة المرفهة التي يعيشها دعاة التحريض، والصور التي ينشرونها عن حفلات أعياد الميلاد لذويهم، وفخرهم بأبنائهم الذين يدرسون خارج الحدود، في بلاد الغرب، ومع ذلك فهم يسمعون لهم، وهم يهاجمون الابتعاث للخارج، بل يدافعون عنهم، وذات الناس المغرّر بهم، هم من يذهب لسماع محاضرة عن الصدق والأمانة، دون أن يسألوا أنفسهم عن مدى التزام المحاضر – ذاته- بهذه المفاهيم، إذ من الممكن أن يكون هذا المحاضر أبعد الناس عن الصدق والأمانة، ويظل السؤال المحير على الدوام: هل العتب هنا على دعاة التحريض أم على الناس التي تتبعهم؟!
ما زال الطريق طويلاً وشاقاً، فهؤلاء الناس الذين يستدرجهم دعاة التحريض هم ضحايا لفكر منحرف، تم غرسه على مدى عقود، فمن المسلّم به أن فكر الإسلام السياسي، يشبه الكهنوت من حيث التراتيبية، ووجوب الطاعة، إذ لا يستطيع التابع لهذا الفكر أن يخرج عن رأي من يرأسه، حتى ولو خالف العقيدة، وصحيح الدين، ولعلكم لاحظتم حفلات تقبيل الأيادي، وقص الأظافر، التي يمارسها أقطاب الإسلام السياسي مع بعضهم البعض، حسب التراتيبية، وإذا فهمنا هذا السلوك الكهنوتي، استطعنا أن نفهم مقدرة قادة الإسلام السياسي في المملكة على تطويع أتباعهم كيفما يشاؤون، لأن التابع هنا مجرد أداة في ماكينة كبيرة، لا حول له ولا قوة، وبما أن الفكر لا يمكن أن يواجه إلا بفكر، فربما تكون المناشط الاجتماعية هي المكان الأمثل لإعادة صياغة فكر الشباب، من خلال تنويع هذه المناشط، لتشمل مجمل قضايا الفكر والفلسفة، بدلاً من حصرها في مجال محدد، وما لم يتم ذلك، فإننا لن نستطيع القضاء على فكرة «التبعية»، والتي تعتبر بدورها عصب «الحرب» على فكر الإسلام السياسي، فهل نفعل؟!