هنالك أمر مهم في الزيارة التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة الأميركية، يتجاوز العلاقة السياسية بين الرياض وواشنطن، والاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية، وهو الحديث عن التغيير الذي يحدث في المملكة، والذي بدأ يأخذ شكلاً متسارعاً، منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم 2015.
الحوارات الصحافية، أو الكلمات والمواقف التي تصدر عن القيادة السياسية، وتحديداً الأمير محمد بن سلمان، تعمل على تغيير الصورة النمطية لدى جزء من وسائل الإعلام الأجنبية حول المملكة، والتي اعتادت أن تُقدم المملكة وكأنها مجرد دولة صحراوية، قروسطية، تمتلك المال الوفير، وتصدر الإرهابيين إلى الخارج!
الخطاب الحديث للمملكة يعمل على التعامل مع الإعلام الخارجي ليس من موقع الرفض له، أو اتهامه بالعداء، وإنما من خلال سياسة الحوار والاحتواء القائمة على تصحيح المفاهيم. فالمملكة اليوم لا تخجل من الاعتراف بوجود أخطاء في الماضي، وأن هنالك أصواتاً متشددة كانت تروج لخطاب الكراهية والتكفير، إلا أن ولي العهد قال بوضوح: «سوف ندمر المتطرفين اليوم وفوراً». أي أن هؤلاء «الإرهابيين» لن يكون لهم موقع في السعودية الجديدة، لأنها دولة تحترم الاختلاف البشري وتؤمن بالتنوع وتنبذ العنف.
هذه الشفافية في الخطاب كانت حاضرة أيضاً في حديث الأمير محمد بن سلمان لبرنامج «ستين دقيقة» على شبكة «سي بي أس» الأميركية، حينما تحدث كيف أنه «بعد 1979 أصبحنا ضحايا للتطرف، وبخاصة من جيلي».
هؤلاء الضحايا الذين يتحدث عنهم الأمير هم من كانوا يعيشون ضمن تيارات الصحوة الإسلامية، والسلفية التكفيرية، وتالياً استقطبتهم تنظيمات مثل «القاعدة» و»جبهة النصرة» و»داعش»، مستغلة الحماسة الدينية لديهم، والتنشئة الصارمة والمحافظة، ولذلك صار من السهل استغلالهم لترويج الخطاب الأصولي والقيام بعمليات إرهابية.
هذا الحديث الصريح تكمن أهميته في أنه يسقط الحجة من يد نُقاد المملكة، ويجعلهم غير قادرين على مهاجمتها كما اعتادوا دائماً، فها هي القيادة السياسية تتحدث صراحة عن «الحقبة المتشددة» وتنتقدها، وأكثر من ذلك، هي تسعى جاهدة للخروج منها، وتجاوز سلبياتها، ومواجهة رموز هذه الحقبة، والأهم أنها تعمل على خلق بيئة مختلفة، قائمة على المدنية والحداثة، والإيمان بحق الإنسان في الاختيار الحر لطريقة حياته، دون إكراهات من الآخرين.
هنالك شجاعة لدى المملكة في مواجهة المشكلات وعدم الخجل من الحديث عنها، لأن معالجة المشكلة تبدأ بالاعتراف بوجودها، لتشخيص حجمها، ومعرفة أسبابها، وتالياً البدء في العلاج الجذري والفعال لها.
قوة الخطاب الجديد أنه يجلب للمملكة حلفاء غير تقليديين، ويجعل شخصيات عامة غربية تقف إلى جانب السياسية السعودية، وتؤيد عملية التغيير والإصلاح الجارية، لأنها باتت تشاهد وقائع على الأرض، وإجراءات عملية، ولغة حديثة غير تبريرية أو تبجيلية، تبشر بنقلة نوعية ستؤثر على مجمل الخليج ومنطقة الشرق الأوسط.