شهد الأسبوع الأول من يناير الجاري استقبال الملك سلمان بن عبدالعزيز لعائلة قاضي «دائرة الأوقاف والمواريث» بالقطيف الشيخ محمد الجيراني، معزياً ذوي الفقيد، والذي قضى بعد أن اختطفته مجموعة من الإرهابيين وقامت بقتله!
الاستقبال الذي تناقلت صوره وسائل الإعلام السعودية، ووكالة الأنباء الرسمية، له دلالته الخاصة. فهو استقبال لعائلة قاض سعودي شيعي، تعرض لعنف وإرهاب من أشخاص من ذات مدينته. بل، ومؤمنون بذات المذهب الإسلامي الذي يعتنقه، ومع هذا لم يمنعهم ذلك من تصفيته، في عمل ينتهك القانون وحقوق الإنسان.
هذا الاحتفاء الملكي بعائلة الجيراني، يبعث برسالة أن هنالك إرادة قوية في مواجهة التشدد والعنف، أياً كان مصدره، وإلى أي مذهب انتمى. دون تمييز بين بندقية عمياء سنية أو شيعية، طالما شكلت تهديداً لسلامة المواطنين وكيان الدولة.
الرسالة الثانية تقول إن المواطنين جميعاً سواسية، لا فرق بين أبناء مدينة وأخرى، وبين طائفة وأخرى. فالسعوديون شركاء في هذا الوطن، ضمن كيان مدني هو «الدولة»، والتي تحكم بينهم وفق مبدأ «سيادة القانون».
هذه الرسائل تأتي متجانسة مع أحاديث سابقة للملك سلمان بن عبدالعزيز، حينما أشار إلى أنه «لا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى. فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات». وقوله إن «أنظمة الدولة تتكامل في صيانة الحقوق، وتحقيق العدل، والتصدي لأسباب الفرقة ودواعيها، وعدم التمييز».
هذا التصريح العائد إلى العام 2015، يكتسب راهنيه، في الوقت الذي يتشكل فيه المجتمع السعودي، بمؤسساته الحكومية والأهلية، ليكون على درجة أكبر من المدنية والحداثة والكفاءة. أي التحول نحو نظام مؤسساتي، يعتمد مبدأ تكافؤ الفرص، ومرجعية «القانون»، بعيداً عن الخطابات الأصولية والمذهبية والمناطقية والمحاباة.
من هنا، تأتي أهمية ترسيخ مبدأ «سيادة القانون»، ليكون هو المدونة الرئيسة التي يرجع لها المواطنون، سواء لأخذ حقوقهم، أو الفصل في نزاعاتهم. وهذه أحد الضمانات المهمة لديمومة واستقرار الدولة الحديثة، وفق باروخ سبينوزا، والذي يرى أن «الدولة التي يكتب لها البقاء، إنما هي بالضرورة تلك التي تظل شرائعها، متى ما تم وضعها بإحكام، محفوظة من كل تجاوز». مؤكداً على أن «الشرائع هي روح الدولة. فإذا خلدت خلدت معها الدولة لا محالة».
سبينوزا وفي ذات السياق، يشرح أن بقاء هذه الشرائع لا يمكن أن يتم إلا «تحت وصاية كل من العقل وانفعالات الإنسان الشائعة». بمعنى آخر ألا تتحكم الأهواء والنزعات الذاتية في الأنظمة، وأن يتم تطبيقها بحيادية وتجرد وبصيرة. ولكن في الوقت ذاته بقوة وعنفوان يحميان هذه الشرائع، ويحرسانها من العدوان والانتهاكات والتجاوزات التي تحدث بين فينة وأخرى!.
السعودية الجديدة، لم يعد جائزاً أو مقبولاً فيها أي انتهاك لمواطنة الفرد، أو انتقاص لحقه، وذلك ما تنص عليه الأنظمة، وتحميه الإرادة الملكية!