بمدينة كربلاء، جنوب العاصمة العراقية بغداد، حيث مرقد الإمام الحسين بن علي، اجتمع نحو 40 فرداً، توزعوا على 4 مجموعات، تحت إشراف السيد مجتبى الشيرازي – نجل المرجع الراحل السيد مهدي الشيرازي – بهدف تعليمهم “الكتابة الأدبية”، العام 1968، وذلك ضمن حركة التجديد والعمل “الرسالي” التي يقودها أخوه – المرجع الشاب حينها – آية الله السيد محمد الشيرازي.
4 أشخاص فقط، هي حصيلة الأفراد الذين تخرجوا من الدورة، كان من ضمنهم الشيخ أحمد الكاتب، صاحب كتاب “تطور الفكر السياسي الشيعي”، والذي أصبح لاحقا أحد أهم الأسماء الناقدة للتيار الشيرازي والأفكار “الماضوية” في الخطابات الدينية.
البدايات المبكرة
شهدت فترة الستينيات من القرن الماضي إصدار سلسلة كتب شهرية استمرت نحو 10 أعوام، حملت اسم “منابع الثقافة الإسلامية”، تحت إشراف السيد صادق الشيرازي، والذي هو الآن المرجع الديني الأكثر أتباعا بين مقلدي آل الشيرازي.
التيار الشيرازي الذي كان في بداية تشكله بمدينة كربلاء، أصدر حينها مجلتي “الأخلاق والآداب” و”أجوبة المسائل الدينية”.
هذا الاهتمام المبكر بالكتابة والنشر نَظَّرَ له السيد حسن الشيرازي في كتابه “العمل الأدبي”. حيث يعتقد أرباب المدرسة الشيرازية أن الإسلام كان يُقدم للناس بطريقة غير جذابة وقديمة، وهو ما أدى لابتعادهم عنه. ولذا لا بد من صياغة خطاب جميل جديد وأدبي يحمل رسالة الإسلام، يكون مؤثرا على الأمة!.
الإعلام الثوري
مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران 1979، صار للتيار الشيرازي حضور أكبر في وسائل الإعلام، خصوصا أنهم كانوا على علاقة جيدة مع النظام في طهران، ويمتلكون تشكيلات حزبية وكوادر مدربة ناطقة بالعربية، مما جعلهم في طليعة المشاركين في العمل الإعلامي “الثوري”.
الشيخ أحمد الكاتب، الذي ارتبط بعلاقة وثيقة بآية الله السيد محمد الشيرازي، كان أحد المساهمين الأساسيين في تأسيس إذاعة “صوت الثورة الإسلامية من عبادان”، الناطقة باللغة العربية. وكان لديه برنامج باسم “عراق اليوم يبحث عن حسين”، استمر في تقديمه وفي التعليق السياسي لمدة عام.
الإذاعة العربية لم تكن حكرا على الشيرازيين، فقد ساهم في تأسيسها أفراد من خارج التيار، مثل الصحافي مسعود الفك، وأفراد آخرين من التيارات المؤيدة للإمام الخميني، بعضهم أصبح معارضا لـ”ولاية الفقيه” في وقت لاحق وتعرض للتحقيق والسجن.
الكوادر العراقية المنتمية لمنظمة “العمل الإسلامي”، مثل الدكتور محسن القزويني، والشيخ صادق العبادي، والشيخ صاحب الصادق، كان لهم حضور في العمل الإعلامي منذ بدايات الثورة، سواء في الإذاعة والتلفزيون أو المجلات والصحف المطبوعة.
التعليم والتدريب
في العام 1985 أسس أحمد الكاتب “المعهد الإعلامي”، الذي استمر عمله بضع سنوات، وساهم في تدريس “علم الإعلام” لمجموعات من الشباب، الذين لا يجيدون الكتابة الاحترافية. حيث يعتقد الشيخ الكاتب أن التيار الشيرازي ورغم تعامله المبكر مع الإعلام، إلا أنه لم يكن يعرف المعنى الحقيقي والمهني للصحافة، وكانوا يعتمدون على الكتابة ذات المنحنى الأدبي الذي يخاطب الغرائز ويشحذ الجماهير. آخذا عليهم “السطحية وعدم العمق في التحليل”!.
حوزة “الإمام القائم” في العاصمة الإيرانية طهران، والتي كانت تضم كوادر تنظيمية وطلبة علوم دينية تابعين لمرجعية السيد محمد الشيرازي، لم يكن لها موقف سلبي من الإعلام، ولم تمنع طلبتها من الاطلاع على الصحف والمجلات، كما هو حال بعض الحوزات التقليدية. بل أصدرت بعض المجلات والنشرات الخاصة، مثل مجلة “البصائر”. ونظمت دورات في الصحافة والإعلام، كان الالتحاق بها إلزامياً للعناصر الحركية، واختياريا لرجال الدين.
الإعلام السياسي
على مدى أكثر من 30 عاما، حضر التيار الشيرازي في الإعلام بشكل نشط، وأصدر عدداً من المجلات والصحف والنشرات، فضلا عن مئات الكتب، وآلاف أشرطة الكاسيت المسجلة، قبل أن يتوجه إلى إطلاق القنوات الفضائية الدينية.
الحضور الإعلامي المطبوع، توزع على ثلاثة حقول رئيسة: السياسة، الثقافة، التراث.
الحقل السياسي كان مجالا خصبا للكتابة، وأداة دعاية واستقطاب في صراع التنظيمات المنطوية تحت مرجعية الشيرازي، مع الأنظمة السياسية المعارضة لها، وتحديدا في العراق والسعودية والبحرين. وهي في ذلك استفادت من الدعم المادي المتأتي لها من المرجعية والأنصار، فضلا عن التسهيلات التي كان يقدمها النظام الإيراني قبل تفاقم الخلافات معه، وصولا إلى الصدام والقطيعة العام 1987.
ويمكن حصر أهم الإصدارات السياسية في التالي:
1 – مجلة “الشهيد” الشهرية. صدرت العام 1980. واكبت الثورة الإسلامية في إيران وخطابها الثوري، وكانت داعمة ومؤيدة له. رأس تحريرها عدة أشخاص: الشيخ صادق العبادي، الشيخ صاحب الصادق الأستاذ نزار حيدر. وكانت إطارا جامعا لمختلف التيارات المنضوية تحت مرجعية الشيرازي.
2 – صحيفة “العمل الإسلامي” الأسبوعية. ورأس تحريرها الأستاذ نزار حيدر. وكانت تصدر عن “منظمة العمل الإسلامي”، التابعة لتيار السيد محمد تقي المدرسي.
3 – مجلة “الثورة الإسلامية” الشهرية. كانت تصدرها “منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية”، قبل أن يتبدل اسمها بداية تسعينيات القرن الماضي إلى “الجزيرة العربية”. ورأس تحريرها د.حمزة الحسن.
هذا التحول في الاسم لم يكن أمرا صوريا، بل عكس تحولا سياسيا في تفكير التنظيم، صاحبه تبدل في الخط التحريري، نحو إصدار مطبوعة تمتاز بلغة أقل حدة، وأكثر واقعية، لتتناسب والمرحلة الانتقالية التي كانت تشهد حوارا ومفاوضات مكثفة من أجل عودة أفراد “الحركة الإصلاحية” إلى داخل السعودية، وتوقف نشاطهم السياسي المعارض العام 1993.
4 – مجلة “شؤون سعودية”، والتي تحولت إلى موقع إلكتروني، وصدرت من لندن، تحت إشراف د.حمزة الحسن، الذي لم يستقر في السعودية طويلا بعد حلِ “الحركة الإصلاحية”. حيث عاد ثانية إلى بريطانيا واستأنف نشاطه المعارض.
المجلة احتوت على دراسات سياسية وحقوقية، وشكلت الإطار الفكري لأفراد “الحركة الإصلاحية” المنشقين والمعارضين لتيار الشيخ حسن الصفار وخطابه السياسي الجديد المؤيد للحوار والتواصل مع الحكومة في السعودية.
المجلة التي توقفت عن الصدور لا يمكن تصنيفها ضمن مشاريع “التيار الشيرازي”، لأن عرابها كان قد خرج من إطار التنظيم والفكر الديني الذي كان منتميا له سابقاً، وأصبح له توجهه السياسي والفكري الخاص به، قبل أن يتبنى خطابا أكثر حدة وانفعالية، بُعيد أحداث الربيع العربي 2011.
5 – مجلة “البقيع”. إصدار شهري باللغة الفارسية، تابع لـ”منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية”. وتولى لفترة مسؤولية تحريرها الأستاذ سعيد خاكرند. وهي الأخرى أيضا لم تستمر في الصدور.
6 – جريدة “الأحداث”. يومية سياسية، تطبع 6 مرات في الأسبوع في العاصمة البريطانية لندن. صدرت العام 1988، قبيل إعادة إصدار صحيفة “الحياة” بنحو 3 أشهر.
“الأحداث” التي كان يمتلك امتياز إصدارها الأستاذ علي باقر اللوّاتي من سلطنة عمان، شكلت هذه الصحيفة نقلة في منهجية الشباب الحركي الذي تربى في كنف مدرسة آل الشيرازي. حيث بدأ يفكر بطريقة أكثر واقعية، ويوسع دائرة اهتماماته، ويسعى لأن يكون له حضور في الساحة الإعلامية العربية، وليس وسط الشيعة وحسب.
تبنت “الأحداث” خطا بعيدا عن الدعاية السياسية قدر الإمكان، ولم تتخذ مواقف معارضة وحادة من الحكومات العربية، بحسب متابعين للتجربة. شارك في تحريرها طاقم متنوع من عدة دول: السعودية، العراق، البحرين.. وهو الأمر الذي جعلها تحظى باهتمام من المتابعين، وخصوصا إبانَ حرب تحرير الكويت 1991، بسبب تغطيتها المواكبة للحدث بشكل تفصيلي.
“كانت الأحداث تغلق طبعتها في وقت متأخر مساء، مما يتيح لها الحصول على أخبار أكثر من الجرائد التي تغلق طبعتها باكرا، كصحيفة الحياة”، يقول أحد المحررين في “الأحداث”، مضيفا “لم نكن منافسين للشرق الأوسط والحياة، إلا أننا كنا نتفوق عليهم أحيانا في سرعة نشر الأخبار”. معتبرا في ذات الوقت أن “الأحداث تفوقت على صحف أخرى، مثل صحيفة العرب اللندنية”.
صحيفة “الأحداث” هي الأخرى لم يكتب لها الاستمرارية، وتوقفت في تسعينيات القرن الميلادي المنصرم.
7 – مجلة “الثقافة الرسالية”. إصدار سياسي شهري تابع لـ”الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين”.
8 – مجلة “الهدى”. شهرية تهتم بالشأنين السياسي والثقافي، تصدر في العراق عن “دار الهدى للثقافة والإعلام”. تمثل الخط الفكري لمرجعية آية الله السيد محمد تقي المدرسي، وما تزال مستمرة حتى الآن.
هذه المجلات والصحف ينظر لها بعض المراقبين على أنها جزء من حقبة تاريخية امتازت بصراع التنظيمات المعارضة (يسارية ودينية) مع الحكومات في المنطقة، وأنها نتاج وإفراز طبيعي للتغيرات التي تلت الثورة الإيرانية 1979، بغض النظر عن سلبيات التجربة أو إيجابياتها. فيما يرى البعض أنها ساهمت في تشكيل وعي سياسي وإن كان نسبيا لدى الجمهور العربي الشيعي. إلا أن مثقفين وكتابا آخرين يعتقدون أنها ساهمت في إحداث شرخ سياسي بين الشيعة والأنظمة التي يعيشون في كنفها، وعقدت من المشكلات القائمة، وأنها غررت بأعداد من الشباب للالتحاق بتلك الحركات “غير الناضجة في تفكيرها السياسي”
القراءات المختلفة لهذه التجارب الإعلامية تأتي تبعا للمواقف السياسية والفكرية وحتى الحزبية لأصحابها. إلا أن ما يُسجله المراقبُ أن التيار الشيرازي كان أحد أهم التيارات الدينية التي استخدمت الإعلام باكرا، مأخوذا به وبغوايته، واستطاع من خلال ذلك الترويج لأفكاره، وإزعاج خصومه، وتجنيد المزيد من الأتباع. إلا أن ذات “التيار” وقع في فخِ “نرجسية الصورة”، التي تجعل الذات “متضخمة” أكثر مما هي عليه في حقيقتها!.
المجلات الفقهية وتلك الفكرية – الثقافية التي أصدرها التيار الشيرازي، أو منتمون سابقون له، وما أحدثته من تغيرات معرفية ومفاهيمية، ستكون محور الحلقة القادمة من سلسلة المقالات.