تجلس مبكرًا لتصلي الفجر، توقظ أولادها، تجهز فطورهم، تلبس على استعجال وبقية أدوات مظهرها أخذتها معها في الحقيبة لتستكمله بالسيارة! لم تأخذ ابنها الصغير للمدرسة لأنها خرجت في الساعة الــ٦:٣٠ صباحًا وليس هناك حتى عاملة لتستقبله، فالأبواب تُفتح بالسابعة.. ولم تتناول الفطور أيضًا على الرغم من أن لديها حصصًا أولى فهي بحاجة إلى الطاقة لتُنجز وتُبدع! وقد نست أيضًا أخذ علاجها لمرض الضغط، فهي كانت ساهرة طوال الليل مع ابنها الرضيع ذي الأشهر الأربعة.. فاليوم يوم المناوبة وفي هذا اليوم العجيب تحدث العجائب!
وصلت بعد السابعة بـ٧ دقائق، بعد أن حُشرت بالاختناقات المرورية وخصوصًا بعد تطبيق قانون البصمة، فكل النائمين استيقظوا معها أيضًا وتوجّهوا إلى أعمالهم.
وصلت لترى نظرات المسؤولة لها بازدراء انها تأخّرت ولا يمكنها الآن تسجيل حضورها بالمناوبة، بل إنها أُعطيت ورقة إفادة لها لتوضيح سبب تأخيرها؟! ناهيك عن الكلام القاسي واللوم الذي سمعته مع بداية يومها!
تلك هي المعلمة.. يا لها من مسكينة.. كل تلك الضغوط وستدخل بعد قليل للحصة الدراسية، والمطلوب منها أن تُعطي أفضل أداء وتُقيّم بدقة، وخصوصًا في منهج الكفايات الجديد، الذي يجعل المعلم ــــ الذي يُفترض أن يتفرغ فقط للعملية التدريسة ــــ في اجتهاد وعصف ذهني مستمر لتحقيق أفضل نتائج متوقعة مع المتعلمين في الفصل.
وتدخل في هذا اليوم لحضور حصتها الموجه الفني لمادتها ــــ من دون علم مسبق طبعًا لها أو لرئيس قسمها ــــ لانها تحب عنصر المفاجأة جدًّا في حياتها!
فماذا نُقيّم هذا المعلم في هذا اليوم؟! هل كإنسان آلي لا يشعر ويجب أن يُقدم أفضل ما لديه بكبسة زر منا له؟ أم كإنسان ذي مشاعر وظروف نُقدرها؟!
والحال أسوأ مع رؤساء أقسام المواد الأساسية! فهم يحملون من الضغوط ما لا يحمله أحد منهم في المبنى المدرسي!
فقد نص قانون الخدمة المدنية أثناء توصيفه لوظيفة رئيس قسم مادة دراسية أن وظيفته الأساسية هي الإشراف ولم يذكر التدريس!
فهو الوحيد من يُصنّف عرفًا وقانونًا من أصحاب الوظائف الإشرافية ويُدرِّس! وخصوصا في مرحلتي المتوسطة والثانوية! فلم زيادة تلك الأعباء عليه؟ ألا تكفي مهامه الإشرافية الكثيرة؟! ومن ثم يُحاسب أنه لم يقم بتطوير العلم أو إضفاء ما هو جديد له؟
كيف يُبدع وهو لا يَفرغ من التحضير الأسبوعي؟! كيف يأتي بالجديد وهو يعمل تحت ضغط نفسي عالٍ وطلبات، إما من الإدارة المدرسية زائدة أو من تسلط الموجه الفني عليه؟!
كيف يرتقي وهو لا يعمل بما يجب أن يعمل حقيقة؟!
يقول المثل: «الفاضي يعمل قاضي». يا من نصّبتم أنفسكم قضاة.. كفّوا عنا مهامكم وما لسنا بملزمين بها، وركزوا على أن تُنشئوا شاغلي وظائف إشرافية محبين لأعمالهم بعيدًا عن التعسّف والضغط وخصوصًا مع أبناء وطنكم، القضية ليست «خذوه فغُلّوه»، أليس الحبُّ طريقاً للإبداع؟!