شكلت الألوان والأشكال الهندسية حضورا واضحا مثلما حضرت القضية الفلسطينية من خلال قصة إنسانية بسيطة في رواية “المتحرر من سلطة السواد” للجزائري عبد المنعم بن السايح التي صدرت سنة 2015 عن منشورات “الرابطة الولائية للفكر والإبداع” بمدينة الوادي في الجزائر.
وتبدأ أحداث الرواية من هواجس داخلية لطفل فاقد للبصر، ونغوص شيئا فشيئا داخل عالمه الصغير، ولا نعرف جنسيته الفلسطينية إلا في النصف الثاني من النص.
وكان يمكن أن تحدث تلك القصة في أي مكان أو زمان، لكن السارد كشف عن ذلك لاحقا، لنتساءل بعدها إن كان ذلك العمى الذي تحدث عنه منذ البداية حقيقة أم مجازا، وتتعدد الاحتمالات حتى تصبح القراءة الثانية ضرورية مع توالي الحقائق، وبحثا عن مستوى آخر من التلقي، مع أن اللغة التي كتبت بها الرواية بسيطة أقرب إلى عفوية الطفولة مع بعض العبارات الكثيفة التي تقتضيها الشعرية المطلوبة في مثل هذه النصوص.
ويزداد النص كثافة عندما يتعذر علينا البصر من وراء عيني الطفل الضرير، بل نحاول معه تحويل الأشياء إلى ألوان وأشكال هندسية مختلفة حتى تصبح الحياة ممكنة، وكأن العمى هو المعادل الموضوعي للحصار الذي يعاني منه أمثال ذلك الطفل، وراحوا يتحايلون عليه بشتى أنواع المقاومة، وربما هذا ما أرادت الرواية قوله عبر ذلك المونولوغ الذي امتد عبر صفحات تلك الرواية القصيرة.