أصبحت جملة من القضايا المالية تثير حساسية المواطن المغربي، خاصة في ما يهم تعويضات السياسيين وتقاعدهم، كموضوع تقاعد البرلمانيين، حيث يعتبر العديد من المواطنين أن الأمر مجرد ريع، إما بسبب رؤيتهم السلبية للسياسيين ولدورهم، أو بسبب تصرفات بعض السياسيين التي تسيء إلى العملية السياسية ككل.
ولعل ما يثير حساسية كبيرة في موضوع تقاعد البرلمانيين، هو كون جزء من المساهمة في هذا الصندوق تؤديه الدولة، أي من جيوب المواطنين دافعي الضرائب، كما أن ما يثير، كذلك، حفيظة المواطنين هو وجود برلمانيين لهم وضع اقتصادي مريح، ورغم ذلك يستفيدون من هذا التقاعد، بينما في المقابل، هناك برلمانيون يعيشون اليوم وضعا اقتصاديا واجتماعيا هشا ومزريا، بعدما كانوا في وضعية تحفظ كرامتهم حين كانوا ممثلين للأمة، ومن الخطأ الاعتقاد أن كل البرلمانيين أثرياء.
أعتقد في رأيي الشخصي، أن العديد من المواطنين يجزمون بأن تقاعد البرلمانيين يتسم بنوع من الريع، إذ في رأيهم يكفي أن يقوم برلماني بمهمة انتدابية لمدة خمس سنوات، ليستفيد مباشرة بعدها من تقاعد مريح، على عكس مواطنين آخرين يشتغلون لسنوات طويلة قبل الحصول على التقاعد ابتداء من سن 63 سنة، بل منهم من يشتغل لعقود دون الحصول على التقاعد أصلا، وهذا ما يخلق نظرة سلبية على موضوع تقاعد ممثلي الأمة.
وإذا كان الكل يجمع على ضرورة إعادة النظر في هذه الوضعية، فإن الاختلاف حاصل اليوم في طبيعة وشكل الإصلاح الواجب رسمه لهذا “الحق” أو “الريع” كما يسميه البعض، فمساهمة البرلماني في صندوق التقاعد تتم وفقا للقانون وبذلك فهي مسألة إجبارية ومزدوجة، يساهم فيها البرلماني بجزء من أجره “وهذا لا يطرح أي إشكال”، وتساهم فيها الدولة بقسط من أموال المواطنين، دافعي الضرائب، وهذا هو الذي يطرح إشكالا وتعقيدا لأي فكرة في الإصلاح.
وعليه، فهذه المساهمة البرلمانية المزدوجة لا يجب أن ننظر إليها كمساهمة شخصية تهم الفرد في حد ذاته، بل هي في حقيقتها مساهمة جماعية تستهدف مبدأ حفظ كرامة البرلماني، ومن ثم في رأيي الخاص، لا يجوز أن تكون الاستفادة تلقائية ولجميع البرلمانيين، بل علينا أن نربطها بشروط محددة، وعلى رأسها ضرورة تحديد سقف دخل معين كشرط لاستفادة البرلماني من التقاعد، أي أن يثبت البرلماني عدم تجاوز دخله لسقف محدد متفق حوله حتى يستفيد من التقاعد.
أما البرلمانيون الأثرياء ذوو الدخل المرتفع، وأصحاب المهن الحرة المربحة والتجار، فيجب أن يُحرموا من هذا التقاعد لفائدة البرلمانيين الذين لا دخل لهم، أو الذين دخلهم أقل من السقف المحدد، أي اعتماد مقاربة شبيهة بنظام التقاعد الوزاري، مع فارق في حجم مبلغ الحد الأدنى بالنسبة إلى استفادة الوزير من التقاعد، أي ضرورة تقليص سقف دخل البرلماني للاستفادة من هذا التقاعد.
وأما أولائك البرلمانيون الأغنياء، أو الذين لهم دخل يفوق السقف القانوني، فيجب ألا يستفيدوا من تقاعد البرلمانيين رغم مساهمتهم في صندوق تقاعد البرلمانيين، لأن مساهماتهم ستكون بشكل تكافلي لحفظ كرامة ممثلي الأمة جميعهم، خاصة الذين أصبحت وضعيتهم بعد انتهاء مدة انتدابهم البرلماني، جد مزرية وهشة، وبدون أدنى تغطية صحية أو حماية اجتماعية، ودخلهم لا يرقى إلى المستوى المطلوب.
لذلك، من يتوفر من البرلمانيين السابقين على هذه الشروط سيستفيد من التقاعد وفق هذا التصور الجديد، فقط يجب عليه أن يدلي سنويا لدى مصالح وزارة المالية بكل الوثائق الثبوتية لوضعيته المادية وحجم مداخله حتى يستفيد من هذا التقاعد، وذلك تحت مراقبة المجلس الأعلى للحسابات باعتبار أن جزءا من أموال هذا الصندوق هي من المال العام، وأن صندوق التقاعد ينتمي هيكليا إلى المؤسسات العمومية، ناهيك عن الرقابة من طرف مديرية التفتيش بوزارة المالية، لذلك، وبهذا المنظور سنكون قد حافظنا على المال العام، ومن أجل كرامة ممثلي الأمة المحتاجين إلى هذا التقاعد، سيكون هذا التصرف نوعا من التكافل والمساندة المشتركة بين ممثلي الأمة.