يتقاسم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية ثلاث جهات، أولاهما الرئيس، وثانيهما الكونجرس بشقيه (مجلس الشيوخ ومجلس النواب)، وثالثهما المحكمة العليا، وعندما ينتخب أي رئيس أمريكي، فإنه أمام ثلاثة احتمالات، فإما أن يكون الكونجرس بشقيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، من ذات الحزب، وهذا يسهل مهمته بشكل كبير، وإما أن تكون الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب من الحزب المنافس، وهنا يعاني الرئيس معاناة شديدة في تمرير ما يرغب، خصوصاً عندما تكون الحرب على أشدها بين الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، والاحتمال الثالث، هو أن يكون أحد مجلسي الكونجرس من حزب الرئيس، والآخر من الحزب المنافس، وهنا أيضاً يعاني الرئيس، وإن بشكل أقل من الاحتمال الثاني.
وعندما نتحدث عن سلطة الرئيس، فنحن لا نتحدث عن شخص الرئيس وحسب، بل عن كامل طاقم إدارته، والذي يشمل وزراءه، وبالذات وزراء الخارجية والدفاع والخزانة، ومستشاريه، وأهمهم مستشار الأمن القومي، ومعهم رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض، وهو منصب يعادل منصب مدير مكتب الرئيس وسكرتيره الخاص، وكذلك مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، وغالباً لا يتخذ الرئيس أي قرار، دون استشارة هؤلاء، أو بعضهم على الأقل، وقد يحدث أن لا يتفق كل هؤلاء أو بعضهم مع الرئيس، وهنا يكون القرار النهائي له، وإذا كان الرئيس قوياً، مثل جورج بوش الأب، أو عنيداً، مثل باراك أوباما، فإنه يستشير هؤلاء، ويظل متمسكاً برأيه في أغلب الأحيان.
أما إذا كان الرئيس ليس على ذلك القدر العالي من التأهيل، أو لا يرغب في إغراق نفسه بالتفاصيل، فإن وزراءه ومستشاريه يصنعون القرار باسمه وبمباركته، ويحضرني هنا الرئيس جورج بوش الابن، الذي كان محاطاً بعقول عركتها السياسة، مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، ويظل الكونجرس هو المنقذ أو المُعَطِّل للرئيس، وقد عانى باراك أوباما كثيراً من ذلك، حيث أمضى السنوات الست الأخيرة من رئاسته في مواجهة سيطرة الجمهوريين على مجلسي الشيوخ والنواب، ولكن لا يعني كون الكونجرس بكامله تحت سيطرة ذات حزب الرئيس، أن هذا سيعطيه ضوءاً أخضر على الدوام، فالرئيس ترمب ما زال يعاني، بل يشتكي من عدم تعاون الكونجرس معه، رغم أن الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب جمهورية، ولك أن تتخيل ما سيحدث، لو أن الأغلبية في أحد المجلسين، أو كليهما، ديمقراطية، في ظل الحرب الشعواء، التي يواجهها ترمب من الديمقراطيين وإعلام اليسار، منذ فوزه بالرئاسة، وهذا قد يحدث مستقبلاً، وسنكتب عنه مقالاً مستقلاً.