تعودنا عندما نقرأ أو نسمع عن أي شيء يخص «التربية» أن نأخذ نفسا عميقا قبل أن نبدأ بالاستماع أو حتى السماع.
ارتبط مع الأسف بها بئر من المشاكل والسلبية والتذمر والنقد اللامحدود واللامسؤول.. على الرغم من وجود أشخاص مخلصين ورائعين من «جيل الطيبين»، ما زالوا على قيد الحياة مجاهدين في مدارس أبنائنا وبناتنا، وبالأخص من المعلمات المسؤولات المتفانيات في عملهن. فهي لم تعد تحت مسمى «معلم» فقط! بل أصبحت ضابطة أمن في طابور الصباح تتحرى تأخير المعلمات عن حصصهن، وهي أيضا عضو في لجنة الاستقبال والضيافة والمراسيم والإحصائيات، وسكرتيرة لأعمال المديرة من طباعة وتنسيق ملفات الإدارة المدرسية المختلفة التي إن لم تُنجزها سُجلت في بند عدم التعاون في تقييمها النهائي! وهي حارسة للمتعلمات في المناوبة الصباحية وفي الفرص وآخر الدوام، بل هي أيضا من تنسق لفقرات إذاعية وتشارك في المسابقات السنوية، كما تُحضّر لحصص منهج الكفايات الجديد من طباعة وتنسيق، كما تَحضر الدورات المسائية «الإلزامية» الخاصة بالمناهج الحديثة تاركة أسرتها وأبناءها الصغار فترتين في اليوم مع العاملة.. ناهيك عن واجباتها المنزلية تجاه الزوج والأولاد.. فهي من تخرج من بعد العمل لتشتري نواقص المنزل لتحضّر الغداء بنفسها.
وهي من تُشرف وتتابع مذاكرة أبنائها وطلباتهم اليومية، كما هي أيضا من تأخذهم إلى المستشفى للعلاج في حالة مرضهم وتسهر عليهم.. كما أنها الشخص نفسه المُلزم بالمجاملات الاجتماعية المختلفة المسائية، خصوصا للمقربين.
وإذا كانت تُعاني مثلا في المدرسة من تسلط مديرة ما، أو إهمالها لها بسبب محاباتها «لشلة معينة»، فقد ضاع عملها كله وضاع مستقبلها! بل إن وجود موجه فني ظالم متحيز حاقد، قد يكون سببا كبيرا في كُره تلك المعلمة التدريس بأكمله.. والأصعب حِملا عندما يأتي ولي أمر لمتعلم «لا يعرف أساسيات التربية والأدب»، لُيلقي باللوم تجاه أي تصرف من ابنه غير المسؤول على المعلمة!
ففي ظل كل ما ذُكر أليست المعلمة من بني البشر؟ وأليس لها طاقة تحمّل؟
إذا كان رب العالمين لا يكلف الناس إلا وسعهم، فلم يُكلف المعلم بأعباء جانبية كبيرة تُنسيه وتجعله مُهملا وأقل عطاء في مجال عظيم مؤثر في بناء الأمم ونفوسها وعقولها!
قيل قديما: إذا أردت أن تدمر بلدا فابدأ بعُلمائها!
يقولون: قمنا برفع رواتبكم لتتأهلوا لتلك الأعمال!
ونحن نقول: خذوا الزيادة وخذوا معها الأعمال الإضافية (المُرائية) التي لا تسمن ولا تغني من جوع! وإلا فلا لوم على تلك المسكينة التي تقبع لساعات طويلة تحت ضغط عال، إن أصبحت قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وبالذات عند السيدات.
كل ما هو مطلوب هنا هو تفرغ المعلمة لعملها الأساسي وتخصيص أشخاص من خارج سلك التدريس لعمل الأعمال المكتبية والرقابية والحراسة.. لتعمل ببيئة مريحة فتنتج.
فأنت بالنهاية معلم ومنك نحن راح نتعلم.